الميكروويف: بين الحقيقة والمبالغات

هل تناول الطعام المطبوخ في الميكروويف يسبب السرطان؟

في أحد صباحات الشتاء الباردة، استيقظت أمينة متأخرة عن موعد عملها. نظرت إلى الساعة برعب، ثم هرعت إلى المطبخ لتسخين فطورها بسرعة. وضعت كوب الحليب في الميكروويف، ثم ترددت قليلًا وهي تضغط على زر التشغيل. تذكّرت ما سمعته من جارتها عن “إشعاعات الميكروويف” وخطر الإصابة بالسرطان. لكنها، تحت ضغط الوقت، تجاهلت تلك الأفكار، وأكملت طريقها إلى العمل وهي لا تزال تشعر بالقلق.

في المساء، لم تستطع أمينة تجاهل الأمر. فتحت هاتفها، وبدأت في البحث عن حقيقة ما يُقال عن أفران الميكروويف. هل فعلاً هي خطيرة؟ هل تفسد الطعام أو تحوّله إلى مادة سامة؟ وهل صحيح أنها قد تسبب السرطان؟

ما اكتشفته في بحثها لم يكن مجرد تطمين، بل كان صدمة حقيقية لها. فكل ما كانت تؤمن به منذ سنوات عن الميكروويف لم يكن سوى شائعات ومفاهيم خاطئة!

الحقيقة العلمية بسيطة، لكنها ضائعة وسط ضجيج المعلومات غير الموثوقة: الميكروويف لا يسبب السرطان. بل إن الأطعمة التي يتم تسخينها فيه لا تختلف من حيث التأثير الغذائي أو الصحي عن تلك التي يتم تسخينها بأي وسيلة أخرى، سواء كانت على الغاز أو في الفرن الكهربائي أو حتى بالبخار.

لكن من أين جاءت هذه المخاوف إذًا؟

الإجابة تكمن في الخلط الشائع بين الموجات الدقيقة، التي يعتمد عليها الميكروويف، وبين الإشعاع المؤين مثل أشعة إكس أو أشعة غاما، وهي التي يمكن أن تسبب أضرارًا حقيقية على الخلايا البشرية. الموجات الدقيقة هي ببساطة نوع من الطاقة الكهرومغناطيسية، تشبه موجات الراديو، وتقوم بتحريك جزيئات الماء في الطعام، مما يؤدي إلى تسخينه من الداخل إلى الخارج.

الدراسات التي تناولت “مخاطر الموجات الدقيقة” كانت تركز على الإشعاع في حال تسربه من الجهاز، وليس على الطعام الناتج. وببساطة، طالما كان باب الميكروويف مغلقًا بإحكام ولا توجد به كسور أو ثقوب، فإن استخدامه آمن تمامًا.

لكن هناك جانب آخر لا بد من التنبه إليه. فعلى غرار ضرورة الانتباه لأنبوب الغاز في سخان الغاز، أو لصيانة كابل الطاقة في السخان الكهربائي، يجب أيضًا التأكد من أن الميكروويف في حالة جيدة. إذا كان هناك عيب في الباب أو إذا لاحظت تصدعًا في الجسم الخارجي للجهاز، يجب التوقف عن استخدامه فورًا إلى حين فحصه وصيانته.

الواقع أن أجهزة الميكروويف الحديثة مزودة بأنظمة أمان متعددة تمنع تشغيل الجهاز إذا لم يُغلق الباب بإحكام. كما أن معايير السلامة التي تُطبّق على تصنيعها صارمة جدًا، تجعل من احتمالات تسرب الموجات أمراً شبه مستحيل.

وفي النهاية، لا بد من المقارنة بين ما يُقلقنا فعلاً وما هو مصدر الخطر الحقيقي في حياتنا. فمخاطر مثل التدخين، قلة الحركة، أو السمنة، تتسبب في ملايين الوفيات سنويًا، بينما لم تُثبت أي حالة واحدة أن الميكروويف كان سببًا مباشرًا في الإصابة بالسرطان.

حين أغلقت أمينة هاتفها تلك الليلة، شعرت بالطمأنينة. لم تكن بحاجة للتخلص من جهاز الميكروويف، بل فقط أن تتعامل معه بعقلانية ووعي. ومنذ ذلك الحين، أصبحت أمينة تحرص على نقل هذه المعلومات لكل من حولها، سعيًا لكسر دائرة الخوف غير المبرر، ونشر ثقافة تعتمد على العلم لا على الخرافة.

الرسالة الأهم: الميكروويف آمن. فقط تأكد من سلامته، واطمئن.

شاهد أيضاً

فائدة الإستحمام للطفل الرضيع

بشرة الرضيع ناعمة وحساسة والعناية المناسبة بالبشرة والإستحمام يساعد في الحفاظ على صحة الطفل، كما …

اترك تعليقاً