بقلم: د. محمد افضل
في إنجاز طبي تاريخي يحمل دلالات ثورية، نجح فريق طبي صيني في إجراء أول عملية استئصال بروستاتا عن بُعد عبر القارات، حيث أجرى الجراح الصيني البارز الدكتور “تشانغ شو”، مدير قسم المسالك البولية في مستشفى جيش التحرير الشعبي، الجراحة من العاصمة الإيطالية روما، بينما كان المريض يخضع للعملية في بكين على بُعد أكثر من 8,000 كيلومتر.
تمت العملية باستخدام ذراع روبوتية متصلة عبر شبكات 5G والألياف البصرية فائقة السرعة، الأمر الذي أتاح تزامناً شبه فوري في حركة الأدوات الجراحية وتحكّم الطبيب بها من مسافة قارية. هذه التقنية، التي يطلق عليها اسم “الجراحة عن بُعد” أو Telesurgery، باتت الآن واقعاً فعلياً بعد أن كانت، حتى وقت قريب، مجرد مفهوم في روايات الخيال العلمي.
ما أهمية هذا الإنجاز؟
تتجسد أهمية هذه الخطوة في أمرين أساسيين:
أولاً، تمكن الجراح من إجراء عملية دقيقة ومعقدة عن بُعد، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة لتقديم الرعاية الصحية المتخصصة للمرضى في المناطق النائية أو التي تعاني من نقص في الخبرات الطبية.
ثانياً، يعكس الإنجاز قدرة التكنولوجيا على ربط العالم طبيًا، ما قد يعيد رسم خريطة تقديم الخدمات الصحية في المستقبل.
تحليل: الفوائد المحتملة للجراحة عن بُعد
1. تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية
في كثير من البلدان العربية، وخاصة في المناطق الريفية أو المناطق المتأثرة بالنزاعات، يندر وجود اختصاصيي الجراحة المتقدمة. الجراحة عن بُعد قد تكون الحل الأمثل، حيث يمكن لجراحين من أي مكان في العالم التدخل فورياً لإنقاذ حياة المرضى دون الحاجة للسفر.
2. سرعة التدخل في الحالات الطارئة المعقدة
في الحالات الحرجة التي تتطلب خبرات دقيقة وفورية، تتيح الجراحة عن بُعد سرعة الاستجابة، خاصة إن توفرت بنية تحتية رقمية قوية.
3. تقليل تكاليف السفر والعلاج الخارجي
كثير من المرضى في الدول النامية، ومنهم من العالم العربي، يضطرون للسفر إلى الخارج بحثاً عن جراحين ماهرين، ما يثقل كاهلهم مادياً. الجراحة عن بُعد تقدم بديلاً أكثر توفيراً وأقل إرهاقاً.
4. دعم الأطباء المحليين بالتدريب والمرافقة الحية
حتى إن لم يكن الطبيب الأجنبي هو من يجري العملية بشكل كامل، يمكنه أن يوجّه الفرق المحلية في الوقت الحقيقي، مما يسهم في رفع كفاءة الكوادر الطبية المحلية.
ولكن، هل هناك سلبيات أو تحديات؟
1. الاعتماد الكبير على البنية التحتية الرقمية
نجاح مثل هذه العمليات يتطلب توافر إنترنت فائق السرعة واتصال مستقر، وهو أمر غير مضمون في كثير من دول العالم العربي. أي تأخير زمني ولو بسيط قد يشكل خطراً على حياة المريض.
2. الحاجة لفريق طبي داعم في الموقع
رغم براعة الدكتور “تشانغ” عن بُعد، كان هناك فريق طبي في غرفة العمليات في بكين لمراقبة الوضع والتدخل عند الحاجة. وهذا يعني أن العملية لا يمكن أن تتم بشكل كامل عن بُعد دون دعم محلي.
3. مسائل قانونية وأخلاقية
من يتحمل المسؤولية في حال حدوث خطأ طبي؟ هل هو الطبيب عن بُعد أم الفريق المحلي؟ هذا النوع من الأسئلة القانونية لا يزال غامضاً، ويحتاج إلى تنظيم دولي واضح.
4. احتمالية التفاوت في الفُرص
قد تستفيد الدول الغنية فقط من هذه التكنولوجيا في البداية، بينما تبقى الدول ذات الدخل المنخفض متأخرة، مما قد يعمق الفجوة الصحية العالمية ما لم يتم تفعيل شراكات عادلة لنقل التكنولوجيا.
الآفاق المستقبلية للعالم العربي
مع تزايد الاهتمام الحكومي في عدد من الدول العربية بالتحول الرقمي وتطوير قطاع الصحة (كما في السعودية والإمارات وقطر)، فإن إدماج الجراحة عن بُعد في الأنظمة الطبية الوطنية قد يكون أقرب مما نتصور، بشرط الاستثمار في الشبكات الرقمية، وتدريب الأطباء، وتحديث التشريعات الطبية.
خاتمة
تُعد الجراحة الناجحة بين روما وبكين نقطة تحول في تاريخ الطب الحديث، ورسالة واضحة بأن التكنولوجيا لم تعد فقط أداة دعم، بل أصبحت شريكاً مباشراً في إنقاذ الأرواح. وبينما يحمل هذا التطور وعوداً مذهلة، يجب التعامل معه بحذر ومهنية، مع التركيز على إرساء البنية التحتية والقوانين التي تضمن عدالة وفاعلية هذا التحول. العالم العربي أمام فرصة حقيقية ليكون شريكاً في هذا المستقبل الطبي الواعد لا مجرد متلقٍّ له.