أخبار عاجلة

الطب بالإنجليزية في الجزائر: خطوة استراتيجية نحو الطبية العالمية

بقلم: د. محمد افضل

في خطوة مثيرة للجدل ومحل ترحيب واسع في الأوساط الأكاديمية والطبية، شرعت الجزائر رسميًا في تطبيق قرار تدريس الطب باللغة الإنجليزية في الجامعات، وهو قرار يمثل تحولًا محوريًا في السياسة التعليمية للبلاد بعد عقود من اعتماد اللغة الفرنسية كلغة أساسية في تدريس العلوم الطبية. هذه المبادرة ليست مجرد تغيير لغوي، بل تُعد نقلة نوعية ذات أبعاد معرفية، وثقافية، واستراتيجية، تفتح للطلاب والأطباء الجزائريين آفاقًا جديدة نحو الاندماج في المجتمع الطبي العالمي.

الانفتاح على اللغة العالمية للطب

من المعروف أن اللغة الإنجليزية تُعد اليوم اللغة العالمية للعلوم، وبالأخص في المجال الطبي. ما يزيد عن 75% من المجلات الطبية المصنفة عالميًا تصدر باللغة الإنجليزية، وجميع الأبحاث العلمية الحديثة تقريبًا تُنشر بهذه اللغة. كما أن المؤتمرات الطبية الدولية، والبرامج التدريبية المتقدمة، والمراجعات السريرية، والدراسات السكانية الكبرى، يتم إعدادها وتداولها بالإنجليزية.

في هذا السياق، فإن اعتماد الإنجليزية كلغة تدريس في كليات الطب بالجزائر ليس مجرد تقليد لنهج دولي، بل هو ضرورة حتمية لمواكبة التطورات المتسارعة في العلوم الطبية، وتمكين الطلبة من الوصول المباشر إلى المعرفة الحديثة دون الاعتماد على الترجمات أو الوسائط المحدودة. اللغة هنا ليست هدفًا، بل وسيلة للانفتاح العلمي والتكوين الأكاديمي الرصين.

تسهيل المشاركة في المجتمع الطبي الدولي

أحد أبرز مكاسب هذا القرار يتمثل في تيسير اندماج الأطباء الجزائريين في المحافل الطبية العالمية. فالمشاركة في برامج التعليم الطبي المستمر (CMEs)، التي تعد شرطًا أساسيًا للتطور المهني، أصبحت ممكنة وميسرة بفضل إتقان اللغة الإنجليزية. كما أن هذا التوجه يفتح الباب أمام فرص الزمالات الطبية والتخصصات الدقيقة في الخارج، ويُعزز حضور الأطباء الجزائريين في مؤتمرات، وورش عمل، ونشاطات بحثية في جميع أنحاء العالم.

فضلًا عن ذلك، فإن كتابة التقارير الطبية بالإنجليزية – بدءًا من الملاحظات السريرية إلى الأبحاث المحكمة – يجعل من السهل على الأطباء من مختلف الجنسيات التعاون مع نظرائهم الجزائريين، وهو ما يُسهم في تحسين جودة التشخيص والتكفل الطبي المشترك في حالات معقدة أو نادرة.

تحرر من الهيمنة اللغوية القديمة

وفقًا لتقرير نُشر في موقع “ألترا الجزائر”، فإن اعتماد الإنجليزية في تدريس الطب يمكن أن يُفهم أيضًا كجزء من مشروع تحرر أوسع من الهيمنة الثقافية الفرنسية التي طبعت التعليم الطبي في الجزائر منذ الاستقلال، حيث ظلت الفرنسية هي اللغة السائدة رغم محدودية تأثيرها على المستوى العالمي. (رابط التقرير)

هذا التوجه لا يعني بالضرورة القطع مع الفرنسية، بل يُمكن قراءته كتحول استراتيجي نحو تعدد لغوي أكثر فاعلية، يعكس رغبة الجزائر في الانفتاح على فضاء أوسع من التعاون العلمي، وتجاوز الإرث الاستعماري الذي جعل الفرنسية تحتكر مفاتيح المعرفة لعقود طويلة.

تحديات واقعية لا يجب إغفالها

رغم أن الفوائد المنتظرة كثيرة ومغرية، إلا أن الطريق نحو تدريس الطب بالإنجليزية ليس مفروشًا بالورود. من أبرز التحديات التي تطرح نفسها:

  • التكوين اللغوي: يعاني عدد من الطلبة من ضعف في اللغة الإنجليزية نتيجة ضعف تدريسها في المراحل الابتدائية والثانوية، ما يفرض الحاجة إلى سنوات تحضيرية قوية لترميم هذا النقص.
  • تأهيل الأساتذة: يجب الاستثمار في تكوين الأساتذة الذين سيقومون بالتدريس، ليس فقط لغويًا بل أيضًا من حيث القدرة على توصيل المصطلحات الطبية والمعارف المعقدة بلغة غير تقليدية في السياق المحلي.
  • توفير المراجع والبرامج: لا بد من إعداد مناهج حديثة، مترابطة، ومعتمدة دوليًا، مع توفير كتب ومراجع باللغة الإنجليزية تكون في متناول الطلبة والأساتذة.

مستقبل واعد للطب في الجزائر

بالرغم من هذه التحديات، يبقى أن الخطوة الجزائرية تُعد تطورًا نوعيًا يُحسب لصالح التعليم العالي، خاصة إذا ما تم تنفيذها ضمن رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الجانب التربوي واللوجستي والتكويني. إدخال الإنجليزية في تدريس الطب هو بمثابة زرع لبذور جيل طبي جديد، قادر على التأقلم مع المتغيرات، والمساهمة في إنتاج المعرفة، وليس فقط استهلاكها.

كما أن نجاح هذه الخطوة قد يشجع على تعميم التجربة في تخصصات علمية أخرى، مثل الصيدلة وعلوم الحياة والذكاء الاصطناعي الطبي، وهو ما من شأنه أن يُعزز موقع الجزائر العلمي ويمنح شبابها فرصًا تنافسية على مستوى العالم.

ختامًا

إن تدريس الطب باللغة الإنجليزية ليس مجرد خيار لغوي، بل هو خيار استراتيجي يعكس طموح الجزائر في أن تكون فاعلًا في صناعة المعرفة الطبية، لا مجرد متلقٍ لها. هي خطوة في الاتجاه الصحيح، تحتاج إلى رؤية واضحة، وتخطيط متين، ودعم مؤسساتي واسع، لكنها بالتأكيد تستحق الاستثمار والرهان عليها من أجل مستقبل طبي أكثر إشراقًا وكفاءة.

شاهد أيضاً

الهند: شريان الحياة للسياحة العلاجية العالمية

في ظل تصاعد تكاليف الرعاية الصحية في الدول الغربية، وطول قوائم الانتظار، وتنامي الرغبة في …

اترك تعليقاً